انتصار المقاومة في لبنان

ناصر أخضر

 حققت المقاومة الاسلامية إنجازاً تاريخياً في إطار الصراع العربي الصهيوني، بإجبارها ولأول مرة جيش الاحتلال الصهيوني على الانكفاء والاندحار من الأراضي اللبنانية يجر خلفه أذيال الخيبة والذل، ودون أن تحقق قيادته السياسية أي مكتسبات سياسية أو حتى تفاوضية، بعد أكثر من نصف قرن من الهزائم المتوالية التي طاولت الأنظمة والحكومات والحركات الشعبية والأحزاب السياسية والفصائل المقاومة والجماهير العريضة نفسياً وعسكرياً وسياسياً مما جعل هذا الحدث واحداً من أهم الأحداث على صعيد المنطقة العربية نظراً لتداعياته الكبيرة والكثيرة والتي كلما تكشف فيها سر من أسرار الهزيمة حتى تجلت معانٍ جديدة ستترك للأجيال القادمة إدراكها وتفسيرها والتنعم بنتائجها.

وبالقدر الذي أخذ فيه النقاش حول تداعيات الإندحار مأخذاً كبيراً من الأفكار والمفكرين الاستراتيجيين، فإن عوامل نجاح المقاومة الإسلامية في تسطير هذه الملحمة لم تكن أقل شأناً من موارد النقاش نظراً لفرادة الحدث والتجربة ولتميز الانطلاقة والرؤية، في ظل تمكن روح الانهزام في نفسية المواطن العربي والمسلم عموماً ولتجذرها في إرادته المصادرة، ولقناعة معظم الناس بعدم إمكانية هزيمة الجيش الذي لا يقهر لوجود معادلات ينعدم فيها التكافى‏ء الاستراتيجي العسكري وإمكانية قلبها بحيث تصبح هذه التكنولوجيا في مواجهة الإرادة الحية، ولعل الأدبيات السياسية والعسكرية والثقافية ستزخر خلال الأيام القادمة بالكثير من الكتابات التي من الممكن أن تناول الانتفاضة الحالية في فلسطين المحتلة كواحدٍ من أهم تداعيات هذا الاندحار وإمكانية تكرار التجربة ونقاط الإلتقاء والاختلاف بين لبنان وفلسطين فالكثير من النقاط ستكون على بساط البحث منها:

 1 تداعيات الإندحار الصهيوني على مستقبل الصراع العربي الاسرائيلي.

 2 أثر الاندحار في تأجيج الانتفاضة وتقديم نموذج النضال الشعبي وانتصاره.

 3 عوامل وظروف انتصار المقاومة الاسلامية في لبنان.

 4 فرادة تجربة المقاومة وتميزها عن غيرها من الفصائل السياسية.

 5 مستقبل عمل المقاومة على ضوء أوضاع المنطقة السياسية.

 6 الدور المقاوم والدور السياسي لحزب الله على صعيد العالم العربي والاسلامي.

إن من واجب الباحثين والمحللين العمل على الاسهام في بلورة هذه الموضوعات واثراء أدبيات المرحلة بالوقائع والتأريخ والتحليل وإن كنا في هذه المقالة سنكتفي بالإشارة الى تداعيات هذا الاندحار وعوامل نجاح المقاومة وتعدادها دون الغوص والإسهاب في تحليلها والإستدلالات والأسباب نظراً لعدم إتساع المجال.

إن تداعيات الاندحار تظهر جلية على صعيد الداخل اللبناني وعلى صعيد الكيان الصهيوني والمنطقة العربية والعالم.

 1 على الصعيد المحلي‏

أ  تكريس البعد العربي للبنان واستبعاد الرهان على جميع الخيارات الأخرى.

ب  نجاح تجربة الإرادة الشعبية ومعادلتها بالمواجهة.

ج  تشكل معادلات سياسية جديدة ذات معاني جديدة.

د  انتصار لبنان بكل فئاته وتحقيق سيادته وتقديمه الشكل الحضاري الراقي وأخلاقيات الحروب.

 2 على صعيد الكيان الصهيوني‏

أ  إلحاق هزيمة نفسية وعسكرية للجيش الصهيوني.

ب  هزيمة سياسية للقرارات الصهيونية المتعلقة بالمنطقة والجبهة اللبنانية (الحدود الآمنة).

ج  سقوط الأحلام التوسعية والمشاريع الاستيطانية كسياسة صهيونية في كل منطقة محتلة.

د  إعادة عزل الكيان الصهيوني مجدداً وإحياء عوامل العداء لهذا العدو على الرغم من هرولة الأنظمة للتطبيع.

ه  طرح موضوع مستقبل اسرائيل في المنطقة بنقاش صهيوني داخلي حاد آخذاً اشكالاً انقسامية حادة.

 3 على صعيد المنطقة العربية

أ  تعزيز ثقة المواطن العربي والمسلم بنفسه وقدراته وكرامته.

ب  تعزيز قدرته على الصمود والمواجهة وتحقيق النصر.

ج  إعادة إحياء قضية القدس وفلسطين كقضية مركزية.

د  إحياء مشاعر العداء لأميركا والصهيونية ومواجهة مشروعهما في المنطقة.

ه  تحرك الجماهير العربية بدور ضاغط على سياسات الأنظمة.

و  إقتناع الشعوب بخيار المقاومة الاستراتيجي لا التفاوض.

ز  قراءة تجربة المقاومة والاستفادة منها وإمكانية تعميمها في فلسطين.

 4 على صعيد العالم‏

أ  فشل السياسة الأميركية والصهيونية في معالجة القضية عالمياً.

ج  تطبيق القرارات الدولية بمنطق القوة وليس الشرعية الدولية.

د  دخول المقاومة الى ضمير ورؤية العالم والإعتراف السياسي الدولي بدورها.

بالإضافة الى العديد من التداعيات الكبيرة والمهمة والتي لن تعِ الأجيال الحالية إلاّ القليل منها ولعل هذه التداعيات كانت درساً بليغاً في حياتنا وتجربتنا وتاريخنا حيث كان من الضروري الاستفادة منها في قراءة الاستراتيجيات الحاكمة لهذا الصراع من خلال دراسة عوامل نجاح المقاومة لتزخيم هذا الانجاز التاريخي وتعميمه والتي يمكن الوقوف عند بعضها.

أ  وحدة ووضوح الهدف الاستراتيجي للمقاومة والحزب وبلورة العهود والطاقات بهذا الاتجاه.

ب  التزام أولوية المقاومة وأولوية قتال الصهاينة والمحتلين وتوفير الامكانيات لذلك.

ج  توظيف كل الوسائل الممكنة في المواجهة وخاصة الاعلامية والسياسية والاجتماعية (تلفزيون  اذاعة  أنترنت  صحيفة  إعلام عربي).

د  الدمج بين المقاومة والعمل التنظيمي الحزبي، ووجود هيكيلية تنظيمية وانضباطية عالية في البنية التنظيمية والتي انعكست انضباطية سياسية وعسكرية.

ه  قدرتها على سحب المجتمع اللبناني الى نوع من التضامن بداية وانتهاءً بالدعم والايمان الحقيقي والتقدير الكبير لها. مما وفّر لها احتضاناً شعبياً ورسمياً كبيرين.

و  الجرعات البراغماتية أو المرونة السياسية في الحركة رغم ثبات المنظومة العقائدية والفكرية والسياسية.

ز  تجنب الصدامات مع الساحة المحلية السياسية وترك الأمور لأولوية المقاومة على حساب الحسابات السياسية المحلية.

ح  الاستفادة من المد العربي والاسلامي الداعم لتوجيهاتها وجهادها (سوريا  ايران) وبالتالي توفر الغطاء الدولي.

ط  خروج المقاومة من مجتمع حاضرٍ للتضحية والبذل والعطاء وتقديم التضحيات الكبرى مع محاولات بنائه كمجتمع مقاومة.

ي  الاستراتيجيات والتكتيكات الميدانية في القتال الدائر على أرض المعركة (الكمائن  العمليات النوعية والاستشهادية).

ك  تحصين المقاومة في الاختراقات الأمنية وتعزيز قدراتها الاستخبارية والأمنية ومتابعتها الحثيثة للعملاء والمتعاملين وإنجازاتها في اختراق هدف العدو وأجهزته.

ل  التعبئة الدينية والسياسية والتحريض على الجهاد بفعل الايمان من خلال تكريس ثقافة الجهاد والاستشهاد.

م  دعم واحتضان أسر وعوائل الجرحى والأسرى والشهداء والاهتمام بهم وتوفير المؤسسات الداعمة لعمل المقاومة.

ن  تحصين المجتمع من النواحي الانمائية والسير عليه كشرط من شروط امكانية الاستمرار وخلق المجتمع المقاوم الداعم.

س  توظيف الانجازات السياسية في خدمة مشروع المقاومة «التجربة البرلمانية» «المجتمع اللبناني».

ع  الآداء الحضاري والأخلاقي المتميز الذي يتمتع به أفراد الحزب والمقاومة مما أهّلهم لاعتلاء عروش قلوب المواطنين واحترامهم وتقديرهم.

ف  البعد الايماني والغيبي لهذه المقاومة التي جعلت في روح الاستشهاد المحرك والمحفز الأساسي في جهادها.

إن عوامل نجاح المقاومة الكثيرة والتي تحتاج الى سلسلة من البحوث المنهجية، تأخذ في اشكالات موضوعية وذاتية وزمنية وعقائدية ممزوجة بقدرة سياسية وأمنية وعسكرية وثقافية لأن التحرير والمقاومة بحاجة لثقافة تحريرومقاومة، تمتعت بها قيادة المقاومة وقيادة حزب الله من خلال العمل على تهيئة هذه العوامل والمناخات الخادمة لعمل المقاومة ونجاحها، أو من خلال النأي بها عن المناخات المضرة التي قد تسهم سلباً وتنعكس على آدائها ودورها.

ولعل قراءة عوامل النجاح من خلال النتائج فقط دون الوقوف على الدوافع الحقيقية يجعل القراءة ناقصة. فالوقائع منذ انطلاقة المقاومة في العام 1982 وحتى هذه اللحظة أظهرت وبما لا يقبل الشك أن الدافع الرئيسي كان الجهاد في سبيل الله وامتثالاً للأوامر الالهية والسعي لكسب رضاه والفوز بحسن الآخرة، مما جعل هؤلاء المجاهدين لائقين وجديدين بهذه الانتصارات الكبرى وأسال على أيديهم هذه العوامل التي ساهمت في الانتصار الذي خلق ويخلق تلك التداعيات نظراً لصدق المجاهدين وإخلاصهم وتضحياتهم وتفانيهم وإتكالهم على ربهم وإيمانهم باليوم الآخر والوقوف أمام الله والتعرض للمساءلة مما يدفعهم الى تحمل المسؤوليات الجثام وتقديم كل شي‏ء في هذا المضمار ويمكن القول أن التوفيق والعناية الالهية بالتغير الغيبي للأمور والكرامة التي منحها لعباده والمجاهدين في سبيله الذين جعلهم مستخلفين في الأرض لصدق سريرتهم وسخاء نفوسهم وعظيم إيمانهم مما أهّلهم للياقة حمل راية النصر ونزول الرحمة الالهية والبركة الربانية على عباده المؤمنين، فتلك العناية واللطف الإلهيين أمرٌ لا ريب فيه.

الصفحة الرئيسية

صفحة الانتصار

admin@albehari.net