دور المستضعفين تجاه قضية القدس‏

بقلم: محمد تيسير الخطيب (رئيس مركز الإسراء للدراسات والبحوث‏)

 القدس... كانت وما زالت جوهر الصراع وعنوانه ليس في منطقتنا فحسب بل في العالم، فالقدس ليست مدينة كغيرها من المدن وإنما هي العنوان المقدس لقضية فلسطين، فصراعنا مع العدو الصهيوني ليس صراع حدود ونسب مئوية من الأرض بل هو صراع وجود وحضارة يقف فيه الحق الإسلامي مقابل الباطل اليهودي، ولعل العدو يدرك للأسف الشديد جوهرية صراعنا معه حول القدس أكثر مما يدركه بعض العرب والمسلمين، فهذا العدو لا يتوانى عند حشد كل الامكانيات الدولية من أجل محافظته على إغتصابه للمدينة المقدسة ضمن محاولاته المستمرة لإعطاء شرعية دولية وقانونية لهذا الاغتصاب.

إن مرور ما يزيد عن خمسين عاماً على قيام الكيان الصهيوني ترينا أن قوة الأمة العربية والاسلامية لم تحشد حقيقة ولو مرةً واحدة في مواجهة هذا الكيان، فإمكانيات الأمة، حتى في وضعها الراهن قادرة بالقوة وعاجزة بالفعل عن إلحاق الهزيمة بهذا الكيان ولذا فإن الهدف الذي يجب أن يسعى إليه المسلمون وعلى رأسهم علماءهم ومثقفيهم هو تبصير الأمة بقدرتها على إخراج إمكانيات التحرير والمواجهة من «القوة» الى «الفعل». ولذا فإن طرح قضية القدس كعنوان وشعار لهذه المواجهة الحضارية بيننا وبين الكيان الإسرائيلي هومن أهم المهام التي يجب أن يتصدى لها المثقفون فلا بد من إعادة الصراع مع العدو الصهيوني الى جوهره وإعادة هذه القضية الى مرجعيتها الحقيقية فلا تنحصر مرجعية القضية من يد الحكومة أو من يد الطرف الفلسطيني الذي تذرع بالقرار الفلسطيني المستقل ليصل بهذا القرار الى التسوية ولذا فيجب أن تعود مرجعية هذه القضية للأمة صاحبة الحق الأول من القدس وفلسطين التي هي وقف إسلامي لكل الفلسطينيين وذراريهم حتى قيام الساعة.

إن على المثقفين مهام كبيرة من العمل الإعلامي والفكري والثقافي والسياسي يجب الاضطلاع بها من أجل تكريس جوهر قضية القدس في بؤرة إهتمام المسلمين شعوباً وحركات سياسية، فيجب أن تكرس القدس كعنوان للصراع وكشعار للوحدة وكمنطلق لإنشاء مجموعات ضغط في كل أرجاء العالم الإسلامي يتم من خلالها التأثير على الحكومات ومنعها من التفكير بإقامة أي نوع من العلاقات مع العدو الصهيوني وكذلك جعل قضية القدس المعيار الأول في العلاقة مع كافة دول العالم، حيث يجب أن تعرف هذه الدول أن العلاقة بينها وبين العالم الإسلامي تتأثر سلباً أو إيجاباً بموقف هذه الدول من قضية القدس.

إن التركيز على قضية القدس كعنوان للصراع هو المدخل الذي نريد من خلاله اشراك الشعوب الاسلامية في صراعنا مع المشروع الصهيوني وفي معركتنا التاريخية مع الوجود اليهودي في فلسطين، لننتقل من قضية القدس الى قضية فلسطين وحقنا الكامل بها كأرض للشعب الفلسطيني وكميراث للأمة الاسلامية بصفتها أرضاً وقضية لكل المسلمين.

إن من الضروري وفي هذا الوقت بالذات هو وضع الخطط والبرامج من أجل ما يمكن أن نسميه الرابطة القدسية في العالم الاسلامي التي يجب أن تشكل من أجلها اللجان الشعبية في كافة أرجاء الدول الاسلامية لتتحول هذه اللجان الى قوة دعم سياسي وإعلامي واقتصادي للعمل المقاوم في فلسطين، فالفلسطينيون المرابطون لم تشحد لهم قوة المسلمين كما تشحد ل«اسرائيل» قوة اليهود وغير اليهود في العالم، فتحقيق الانتصار على الوجود اليهودي في فلسطين لا يمكن إلاّ إذا كان وراء مجاهدي فلسطين والمرابطين فيها جدار العدم الاسلامي العظيم.

إن الأمة الاسلامية لم تكن يوماً عاجزة عن دعم الفلسطينيين في جهادهم ولكن الاسترخاء والثأر وعوامل التجزئة عطلت شعورها بقوتها والكسل العلمي جعل الأمة تقرأ ذاتها من كتب الآخرين ولذا فمن هذه النقطة يجب البدء من جديد بعقلانية فاعلة وروحانية عالية.

فالقدس يجب أن تبرز رمزاً لمواجهة عالمية بين أمتين أمة تحتقر البشرية ولكنها تتلاعب بطاقاتها لتوظفها في مشروعها العنصري فهي عالية بحكم المشروع وأمة قدر لها أن تكون الأمة الوسط التي ينتهي عندها التوازن العالمي ويستقر. فمن «الأقصى» يجب أن يصعد الصراع الى أقصاه على قاعدة الاستفادة من كل طاقة إسلامية صغيرة كانت أو كبيرة.

فالقدس قادرة على صهر الجميع في جوهرها واستيعاب الكل في معانيها ومداها.

فالمدينة التي جمعت أنبياء الانسانية في صلاة واحدة قادرة على جمع كل طاقات الكامنة والمتحركة في الأمة باتجاه واحد.

إن كل محاولات النهضة في عالمنا الاسلامي وكذلك مسارات التنمية تتعثر في العالم الاسلامي وكذلك تضيع معها الكثير من الجهود المخلصة لأنه بضياع القدس تفقد الأمة معراجها وبضياع القدس تفقد الأمة بوصلة إتجاهاتها، فالتنمية جهد شامل ومتوازن ومنسق باتجاه واحد ولذلك فلن تتجوهر قدراتنا على التنسيق والتخطيط وتنظيم الجهود إلاّ بالعودة الى المركز، الى القدس وفلسطين فعندئذٍ سنجد أننا أزلنا العائق الأساس من أمام النهوض الحضاري لعالمنا الاسلامي بل والعائق الأساس من أمام النهوض الانساني بشكل عام.

ف«اسرائيل» هي الثمرة الخبيثة لشجرة الحضارة المادية الخالية من الأبعاد الروحية والمعنوية للإنسان.

ولذا فإن الصهيونية ليست مجرد حركة تهدف الى احتلال فلسطين وتكريس إحتلالها بالقوة والتضليل والقهر، إنها بالاضافة الى ذلك تمثل طريقة من حكم العالم قائمة على منطق الغلبة والقوة في مقابل منطق الحق والعدالة واستهداف القدس هو حصيلة السير الحثيث نحو بناء عالم تختزل فيه الشعوب والحضارات وتهمش لحساب شعب واحد وحضارة واحدة هي الحضارة الغربية المشبعة بالروح الصهيونية.

إن التصدي لهذه المعركة العظمى من أجل استنقاذ البشرية مما يراد لها من تمزيق وتفتيت لصالح انتصار الحلم الصهيوني يجب أن يكون شعاره القدس وأن تكون القدس عنواناً للصراع وشعاراً للوحدة الاسلامية والانسانية وحافزاً للعودة ومنطلقاً للتنمية الحقيقية ولاستعادة الأمة الاسلامية مكانتها في العالم.

وهذا يتطلب تضافراً للجهود الفكرية والثقافية والاعلامية والدعائية واستفادة جادة وفاعلة من كل أشكال التعاطف مع القضية المركزية للأمة قضية القدس وفلسطين.

الصفحة الرئيسية

صفحة الانتصار

admin@albehari.net