أخلاق المنتصرين.. منارة للتائهين‏

بقلم: الشيخ خضر نور الدين‏

مقدمة عن التعامل مع العدو وجزاؤه:
طبيعي عند الناس عندما تتقاتل جهتان ويكون بينهما دماء وثارات شخصية بين أفرادها وإضرار احداها بالأخرى فإنه بعد سقوط الفئة التي كانت تلحق الضرر فإن المنتصر الذي كان متضرراً سيعمل على التشفي وأخذ الحق والمحاسبة بقسوة والانتقام والثأر لكل نقطة دم سالت له.
حتى بعيداً عن الانتقام فإن المحاكم الميدانية تقام في ساحة المعركة ساعات الانتصار الأولى واجراء الأحكام العرفية بحق من كان خائناً أو عميلاً لجهة معادية محتلة. ولذلك سجل التاريخ أكثر من حالة كانت تقوم باعدام العملاء لأعدائها وبشكل بشع دون أن يحاسب أحد المنتصر.
وفرنسا أحدث حالة عشناها في القرن الأخير حيث أن القوات الحرة والتي عملت على تحرير فرنسا من الاحتلال الألماني عمدت إلى قتل ما يناهز العشرين ألفاً من الذين تعاملوا مع الألماني في جيش فيشي. ولم نسمعْ صوتاً محاسباً للفرنسيين لأنهم بنظر الآخرين عملوا على محاسبة الخونة والعملاء. وهذا جزاؤهم الطبيعي أن يدفعوا حياتهم ثمناً لخياناتهم.
وكذلك في فيتنام فإن المقاومة أعدمت الآلاف من المتعاملين مع الأميركي.
ويمكن القول إن قوانين الدول كلها في ما يعني التعامل مع المتعاملين مع العدو المحتل تحكم بمحاسبتهم بما يتناسب مع درجة الخيانة والعمالة وتصل إلى حد الاعدام وخصوصاً لمن يحمل السلاح مع العدو وضد أهله.
لمحة سريعة عن تاريخ العمالة في الجنوب:
منذ الاحتلال الأول للجنوب عام‏1978 وتشكل ميليشيا لبنانية عملت على مساعدة الإسرائيلي في بسط نفوذه في المنطقة ومشاركته في القتال معه وقتلهم للمئات من اللبنانيين في عمليات قصف وقنص وكمائن وغارات واغتيالات لقيادات لبنانية واعتداءات على المواطنين وسجنهم وتعذيبهم في سجون ومراكز العملاء المتعددة في الجنوب.
ويمكن القول إنه لولا وجود هذه الميليشيا لما استقر العدو في الجنوب لأنهم كانوا العيون والأيدي المساعدة بل كانوا حصوناً ومتاريس للجيش الإسرائيلي المحتل. وعملوا على ارهاب المواطنين كي يستكينوا للاحتلال وساهموا في محاولات التطبيع مع العدو. ويكفي أنهم قتلوا شيخ الشهداء الشيخ راغب حرب في بلدته جبشيت.
أثر عمليات المقاومة على العملاء:
في الآونة الأخيرة أي قبل التحرير بسنوات كان العملاء قد وصلوا إلى مرحلة من الضعف واليأس والاحباط جراء العمليات البطولية التي حصلت على مواقع العملاء وحصدت منهم ومن قادتهم العدد الكبير في منازلهم وقراهم المحصنة والمحمية بالاحتلال. وكان لخطابات الأمين العام سماحة العلامة السيد حسن نصر اللَّه الأثر الكبير على دخول الخوف إلى قلوبهم بحيث جهد العميل انطوان لحد لاعادة الحيوية والمعنويات لأفراده خصوصاً بعد مقتل عدد من ضباطه آخرهم العميل المقبور عقل هاشم الذي كان يمثل محوراً أساساً في ميليشيا العملاء.
سقوط الخطوط الفاصلة والحصون:
نتيجة خوف العملاء وضعفهم وقلة عددهم للهرب الذي بدأ ينتشر بين أفراد لحد بعد تهديد الأمين العام لهم بالدخول إلى بيوتهم وذبحهم على فراشهم وبعد دخول المقاومة الإسلامية إلى مواقع عرمتى وتحريرها واضطرار اللحديين إلى الانسحاب من مواقع القنطرة في وادي السلوقي، دخل المقاومون ومعهم أهالي تلك المنطقة إلى القنطرة ومنها إلى ديرسريان ومن ثم الطيبة بعد فرار العملاء من مواقعهم واستسلام البعض منهم كان السقوط الكبير في اليوم التالي بعد الدخول إلى حولا ومركبا وقطع الشريط المحتل إلى قسمين )الشرقي، والغربي( من خلال احتلال الأوسط انهارَ جيش العملاء وعمل الإسرائيلي على ترتيب إخراج باقي أفراد جيشه بسرعة غير عادية وغير متوقعة وغير معدة سابقاً وبقي العملاء لوحدهم في المنطقة وسقطوا بيد المقاومين والأهالي المنتصرين. وكانت المفاجأة الكبرى للجميع حيث أن المقاومة حولت ذلك اليوم إلى يوم المرحمة ولم يحدث ما كان يتوقعه الجميع في لبنان والعالم فإن المقاومة عملت على الامساك بالعملاء دون أن تنتقم أو تحاسب مباشرة وسلمتهم إلى الأجهزة الأمنية الرسمية. دون أن يجري على كل الأراضي المحررة أي عمل اقتصاص من عميل واحد وفيهم القاتل والمعروف باشتراكه في أكثر من عملية اغتيال وسجن وقتل وحار الكل ما الذي يحصل، هل أن الناس في حلم أم أنهم يعيشون واقعاً غير محسوب؟
خلفية أخلاق المقاومة:
نعم لقد اندهش العالم كله وخصوصاً الغربي ومعهم الجهات المسيحية اللبنانية. لقد كان يوم الانتصار والتحرير يوم المرحمة والعفو الشخصي عن أولئك الخونة والقتلة والعملاء وبدم بارد وسلمت المقاومة الأجهزة الأمنية اللبنانية كل من وقع في يدها منهم. وكان بحق أمرٌ لفت نظر الجميع أكثر من الانتصار ذاته. ولذا عبر الكثيرون عن تحضّر المقاومة وعن خلفية المقاومين الاشاوس الأخلاقية. وكيف أنهم تعاطوا ببرودة أعصاب مع الامساك بكل أحاسيسهم لقد كان من المقاومين الذين دخلوا المناطق والمواقع من استشهد إخوانهم برصاص هؤلاء العملاء الأذلة الذين سقطوا بأيديهم ومع ذلك لم يضربوهم حتى بأيديهم. بل الملفت للنظر أن العملاء كانوا يهربون من الناس ليسلموا أنفسهم لشباب حزب اللَّه لأنهم رأوا فيهم أناساً كباراً تعالوا على الجراح والدماء وكانوا كنبيهم الرسول الأكرم صلى اللَّه عليه وآله وسلم نبي الرحمة والمحبة والرأفة والمودة. وتذكرت الناس يوم فتح مكة وقول الرسول الأكرم )ص( رداً على قول البعض من المسلمين الذين قالوا: اليوم يوم الملحمة.. اليوم تسبى الحرمة..« فقال: »اليوم يوم المرحمة.. اليوم نحفظ الحرمة...«. ومن دخل بيت أبو سفيان فهو آمن.
كان باستطاعة المقاومين في لبنان أن يعملوا ما عمل المقاومون في فرنسا بعد التحرير أو في أي بلد في العالم لكنهم لم يفعلوا ذلك أبداً بل كانوا حرساً لهم من الناس ومن الأهالي الغاضبين أصحاب وأهل الشهداء الذين قتلوا على أيديهم.
عودة إلى الإسلام الرحمة:
إن حديث النبي الأكرم )ص( »إني بُعثت رحمة للعالمين« حاكم على حركة أي إنسان مسلم أو أي حركة مسلمة. مهما كانت الظروف ومهما كانت الأوضاع فإن المسلم معني بأن يكون مختلفاً عن الآخرين لأنه صاحب رسالة سماوية سمحاء. وهو وإن كان في موقع عسكري أو سياسي فهو إنسان مسؤول أمام اللَّه عزّ وجلّ عن الرسالة وعليه أن يتحلى بصفات وأخلاق نبيه الأكرم وسيد الخلق )ص( وهو الذي مدحه اللَّه عزّ وجلّ في كتابه الكريم »إنك لعلى خلق عظيم«. وإلا ما معنى الانتماء للإسلام ولنهج النبي الأكرم )ص( والأئمة )ع( ولقد كان أبناء المقاومة الإسلامية أبناء حزب اللَّه خير اتباع وخير دعاة وخير شيعة لأنهم صدموا الجميع وفاقت تصرفاتهم التوقعات وكانوا بحق عنواناً للإسلام المحمدي الأصيل في هذا الزمن الصعب. وما كان كل ذلك ليكون لولا الالتزام الذي يتمثلون به وبإطاعتهم للأوامر التي تصدر عن القيادة الحكيمة الشجاعة والواعية.
ومن هنا كان التحول الكبير في لبنان والعالم في النظر إلى حزب اللَّه وأفراده حيث ضربوا أروع الأمثلة والعناوين وباتوا عنواناً للمقاوم النزيه والشريف بعد أن ضربوا مثلاً أعلى في البطولة والشجاعة.
نعم إن لهذه الخلقية الأثر الكبير على مسيرة حزب اللَّه المقاومة والرسالية وجيدٌ أن نسعى لننهل من معين الرحمة الإلهية ولنكون في خدمة الناس حريصين عليهم بعيدين عن كل عناوين الانتقام والتشفي. فأمامنا الطريق لازال طويلاً سواء في موضع المواجهة مع العدو الإسرائيلي أو الأميركي. والأمة العربية والإسلامية تتطلع إلى هذه المقاومة بفخر واعتزاز وتعمل على الاستفادة من تجربتها الرائدة في الميادين كافة... وهنا نقول إن معظم التيارات المختلفة بانتماءاتها والتي كانت تنظر إلى الإسلام نظرة لا تليق به... اليوم هذه التيارات تنظر إلى الإسلام باكبار واحترام وخصوصاً فيما يعني تجاوز الحدود المذهبية التي كانت عائقاً ومانعاً في الماضي... إن التعالي عن الأرض وعن التصرفات الشخصانية وعن الانتقام الشخصي أمر مهم جداً في عكس صورة الإسلام الرحمة المحبة العدل القوة والأمل في التحرير وإعادة الأمجاد والمكانة الكبرى وأنهي هذه المداخلة باستحضار قول الإمام الصادق )ع( »شيعتنا كونوا دعاة لنا صامتين...« أي كونوا دعاة للإسلام بأفعالكم وسلوككم لا بألسنتكم.

الصفحة الرئيسية

صفحة الانتصار

admin@albehari.net