الأبعاد العقائدية والحضارية لقتال إسرائيل

لم يكن الصراع مع الكيان الاسرائيلي الصهيوني منذ نشأته صراعاً محلياً لا غير على قطعة من الأرض مرتكزاً على دعوى الحق التاريخي فيها، بقدر ما هو مواجهة عقائدية وحضارية شاملة، ذلك أن الأسس التي اعتمد عليها هذا الكيان تتخطى الأطر المحلية بل والإقليمية، لتطال الساحة الانسانية الواسعة، بما احتوت من نظرية عنصرية معادية للشأن الانساني العام تهدف الى تحطيم كل القيم الخيرة لدى الشعوب والرسالات السماوية التي تؤمن بها. وقد كشفت عن ذلك النصوص الدينية المزعومة لليهود، ولا سيما «التلمود» وكلمات زعماء الصهيونية العالمية في المناسبات المختلفة.

يقول أدولف كريمنيه رئيس التحالف الاسرائيلي العالمي، كما جاء في المحفوظات الاسرائيلية، في باريس 25 تشرين الثاني 1861:

«يجب أن تختفي القوميات وأن تنتهي الأديان، ولكن شعب إسرائيل يجب ألا يختفي لأن ذلك الشعب الصغير هو شعب الله المختار».

وإن كان المشروع الصهيوني يستهدف بأطماعه كل الانسانية، فإن مواجهته لا بد وأن تكون انسانية شاملة بأبعادها الحضارية العقائدية والأخلاقية.

وإذا كان هذا المشروع قد وجد النصير في الساحة الدولية لغايات وظروف لسنا الآن بصددها، أعطاه القدرة على الوقوف والبقاء الى يومنا هذا، إلاّ أن العديد من الأصوات وقوى الخير قد حذرت من خطورته قبل قيامه على أرض فلسطين. فقد قال الرئيس الأمريكي «بنيامين فرانكلين» عند إعلان الدستور الأميركي عام 1789: «هناك خطر عظيم يهدد الولايات المتحدة الأميركية وذلك الخطر هو اليهودية». وهو يقصد بلا شك «اليهودية التلمودية».

العقيدة التلمودية المعادية للإنسانية

شكل «التلمود» المصدر العقائدي والأخلاقي والتشريعي الحقيقي لليهود، إلى درجة أسقط من حسابهم وجود التوراة المسمى بالعهد القديم، وقد لعب الحاخامات الدور الأساسي في عملية التبديل هذه من خلال القداسة التي أصبغوا بها تعاليم التلمود والتي كتبوها بأيديهم مدعين أنها التعاليم الدينية اليهودية الحقة. والتلمود هو مجموعة القواعد والوصايا والشرائع والتعاليم الدينية والأدبية والشروح والتفاسير والقصص المتعلقة بتاريخ الدين اليهودي وجنس اسرائيل.

وقد كانت تتناقل مشافهة الى أن قرر كبار الحاخامات تدوينها خوفاً من ضياعها أو تغيرها فتم تدوينها على مراحل متعددة وبصورة رئيسية في مدينتي «بابل» و«أورشليم» أي القدس.

وتسمى التعاليم التلمودية التي دونت في القدس بـ«المشنا» ومعناه الدرس وهي تركز على الأحكام التشريعية المالية والعبادية والأسرية.

وأما (الجمارا) ومعناه الاتمام أو الاكمال، فهي شروحات «للمشنا» وتحتوي أيضاً على الأبحاث العقائدية والعلمية المختلفة التي كانت تتداول في المعابد اليهودية، ومن مجموع المشنا والجمارا تألف كتاب التلمود، وقد طبع أول مرة عام 1520م في البندقية، وجددت طبعته فيها عام 1550م في إثني عشر مجلداً.

وقد أدى نشر هذا الكتاب الى ردود فعل غاضبة لدى الشعوب وخصوصاً في أوروبا لما ظهر فيه من عقيدة عنصرية وأطماع مخيفة. وهو ما دفع بالحاخامات الى حذف العديد من الفقرات والصفحات التي تفضح الأهداف اليهودية من الطبعة الثالثة التي كانت في «بازل» عام 1581م، مضافاً الى الحد من تداوله قدر الامكان، وكان مما اشتملت عليه تلك الطبعات:

ــ «اعلم أن أقوال الحاخامات أفضل من أقوال الأنبياء» وهو إهانة لكل الرسالات السماوية وفي مقدمتها المسيحية والاسلام.

ــ «الاسرائيلي أفضل عند الله من الملائكة لأن اليهودي جزء من الله كما أن الابن جزء من أبيه، وعلى هذا فإذا ضرب أممي إسرائيلياً فالأممي يستحق الموت» ويقصدون بالأممي كل من كان غير يهودي، وهو تشريع لقتل الآخرين لمجرد أنهم غير يهود.

ــ «الفرق بين الانسان غير اليهودي وبين الحيوان كالفرق بين اليهود وباقي الشعوب غير اليهودية» وهذا غاية العنصرية المعادية للبشرية.

البروتوكولات اليهودية

تعتبر «بروتوكولات حكماء صهيون» الخطة المنظمة التي تتضمن القرارات والتوصيات التي خرج بها المؤتمر الصهيوني العالمي الذي انعقد في مدينة «بابل» السويسرية عام 1897م بزعامة تيودور هرتزل، والذي ضم ثلاثماية من كبار الشخصيات اليهودية في العالم. وقد جرى تسريبها عبر سيدة فرنسية كانت عضواً في أحد المحافل الماسونية السرية في فرنسا، وقام بطبعها البروفسور الروسي «سيرجي نيلوس» باللغة الروسية عام 1902م، ثم قام الانجليزي «فكتور مارسدن» بترجمتها الى اللغة الانكليزية وطبعها عدة مرات حتى العام 1921، وما زالت النسخة الروسية محفوظة في المتحف البريطاني بتاريخ 10 آب 1906م.

وقد أدى التطابق الملفت بين ماجاء في البروتوكولات وبين الأحداث اليهود، والهيمنة على وسائل الاعلام المؤثرة وأجهزة الأمن والاستخبارات وغير ذلك.

وعلى سبيل المثال جاء في البروتوكول الرابع ما يلي:

«... الشعب باعتناقه الايمان سوف يخضع لرجال الدين ويعيش في سلام ومن ثم يتحتم علينا أن نقوض أركان كل إيمان ونزعزع من عقل الخوارج الاعتقاد بالله ونستعيض منه بالأرقام الحسابية والمطالب المادية».

وجاء في البروتوكول السابع:

«... علينا أن نرد على أية دولة تجرؤ على اعتراض طريقنا بدفع الدول المجاورة لها الى إعلان الحرب عليها».

وفي البروتوكول الثاني عشر ما يلي:

«... إن الصحافة والأدب أهم دعامتين من دعائم التربية ولهذا السبب سنشتري أكبر عدد ممكن من الصحف الدورية فنقضي بهذا الشكل على الأثر السيء للصحافة المستقلة ونسيطر سيطرة كاملة على الروح البشري».

وجاء فيه أيضاً: «عندما نصبح أسياد الأرض لن نسمح بقيام دين غير ديننا».

وأمام هذا العقل الصهيوني المخرب والمجرم سوف تدخل كل الانسانية في دائرة الخطر ولن يقتصر الأمر على فلسطين أو المنطقة العربية كما قد يتخيل البعض، ويكتسب الصراع مع هذا المشروع طابعه الحضاري الشامل.

النظرة القرآنية للحركة اليهودية

لقد رصد القرآن الكريم حركة اليهود في حشد من الآيات عرفت بالاسرائيليات حيث حكى عن الكثير من تاريخهم كاشفاً عدوانيتَهم وعنادَهم للأنبياء وخبثَهم وحكرهم وحياكتهم للفتن والمؤامرات ضد الآخرين ونقضهم للعهود والمواثيق.

قال تعالى: (ولقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلاً كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون).

ولعل أبرز صفة وصف بها القرآن الكريم حركة اليهود هي (الافساد).

فالحركة اليهودية مع حركة إفسادية تستهدف أولاً قبل كل شيء الاساءة الى حياة الناس وأمنهم وسلامهم والايمان الذي يكسبهم الطمأنينة.

ويبدو أن الطابع الافسادي لنشاطهم كان حاضراً حتى مع وجود الانبياء بينهم وكانوا يؤلفون على الدوام تياراً في وجه حركة الاصلاح.

قال تعالى: (وقال موسى لأخيه هارون أخلفي في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) الاعراف: 142.

ويتكرر هذا الوصف عند تصوير الفتن وبذلهم الجهود لنشر الانحراف وممارسة الظلم والمعصية للأحكام الالهية. ففي سورة المائدة: 164 يقول تعالى: (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين). ومن الملاحظ تكرر تعبير (الأرض) كساحة لإفسادهم المنظم وهو يدل على عدم انحصاره في بقعة معينة بل له طابع العموم والاستهداف الانساني الشامل. وتبرز هذه الحقيقة أكثر في إنباء الله سبحانه عن المشروع الافسادي لليهود والذي سيعم (الأرض) مترافقاً مع استعلاء وسيطرة كبيرة من خلال امتلاك القوة المادية والنفوذ المؤثر على المستوى العالمي.

قال تعالى: (وقضينا إلى بني اسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً) الإسراء: 4.

لكن العالم لن يتحمل الى وقت طويل هذه الغطرسة والاستكبار اليهودي الذي سينال حتى القوى الحليفة لهم. وسيكتشف هؤلاء حجم الخطأ الذي ارتكبوه في حق الانسانية حينما ساندوا هذا المشروع العنصري الذي يحتقر الحلفاء ولا يرعى لمصالح الآخرين (غير اليهود) أي وزن.

الدفاع عن الوحي والقيم الانسانية

إن مواجهة المشروع اليهودي الافسادي لا بد وأن تشمل كل الجوانب والأبعاد الفكرية والاعلامية والسياسية والاجتماعية. فالأمة في موقف دفاعي بالدرجة الأولى يستوجب استخدام كل القدرات والطاقف زيفها وكذبها. ونحتاج الى التعبئة العامة للمسلمين ولبقية المجتمعات لإستشعار الخطر الصهيوني واستهدافاته، ونحتاج الى تربية الأجيال لوعي هذا المشروع والاستعداد لتحمل المسؤولية ومتابعة طريق المواجهة.

لكن يبقى للجهاد دوره الأساسي لا سيما وأنه يمثل تكليفاً شرعياً أولياً في موقف الدفاع عن الرسالات الالهية وقيم الخير والمقدسات الدينية التي في طليعتها القدس.

قال تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) المائدة: 33.

وقال تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل) البقرة: 190 ـ 191.

إن طريق الجهاد يمثل أرفع أسلوب حضاري وعقائدي تمارسه الانسانية في مقام الدفاع عن مقدساتها وكرامتها وحقوقها، ولذا مارسه الأنبياء، وكان ابراهيم الخليل (عليه السلام) أول مقاتل في سبيل الله تعالى، وقد أُمر النبي الأعظم (ص) بقتال الأعداء قتالاً شديداً لا هوادة فيه، فقال تعالى مخاطباً له: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير) التوبة: 73.

إن أمتنا، وأية أمة، يمارس في حقها القتل والتهجير، ويستهدف حاضرها ومستقبلها وكل قيمها ومقدساتها، لا تملك رداً سوى القتال والجهاد.

وهذا الموقف الدفاعي يتعزز أكثر أمام مشروع عنصري لا يقف عند حد، ويتطلع إلى هدم الحياة الانسانية وإطفاء النور الالهي، بل يصبح والحال هذه ضرورة تتصل بالحضارة الانسانية، بمعناها الشامل وقيمها الخيرة، (أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظُلموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق إلاّ أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) الحج: 39 ـ 40.

الصفحة الرئيسية

صفحة الانتصار

admin@albehari.net