مشروعية العمليات الإستشهادية

 بقلم: الشيخ محمد توفيق المقداد

من معين الولاية
مما لا شك فيه أن وجوب الجهاد في الإسلام من البديهيات التي لا تحتاج الى الكثير من الإستدلال والبرهان، بل يكفي الرجوع الى القران الكريم وأحاديث النبي‏ والأئمة لنرى بوضوح كبير الكم الهائل من الايات والروايات التي تذكر هذا الأمر من كل جوانبه وتفصيلاته الأساسية والفرعية، وتوضح أيضاً التشجيع على الجهاد وحرمة تركه وتفضيل المجاهدين على القاعدين، وتفضيل المجاهدين بالنفس على المجاهدين بالمال، كما تعرضت للأجر والثواب الكبيرين لكل من له دخالة في الجهاد، بدءاً من ممارسته فعلياً وحتى مستوى تجهيز المجاهد أو حتى مجرد التفكير بالجهاد والسير فيه عندما يحين ظرفه وأوانه.
 ولعل من أروع ما ذكره القران في الدلالة على عظمة الجهاد هو إن وصل الى درجة الشهادة من خلال الجهاد كان حياً عند الله عز وجل كما قال سبحانه »ولا تحسبنّ‏َ الذين قُتِلُوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون(، وكذلك الحديث الوارد عن الرسول الأعظم‏ )فوق كل برٍٍٍ بر حتى يقتل الرجل في سبيل الله، فإذا قُتِِل في سبيل الله فلا بِرَّ فوقه(.
ولعظمة ورفعة مكانة الشهادة في الإسلام كانت دائماً هدفاً لكل سائر في الخط الإلهي من الأنبياء الى الأولياء والأصفياء والصالحين والمجاهدين، ولذا نجد أن علياً أمير المؤمنين‏ نطق بكلمة )فزتُ وربّ‏ِ الكعبة( عندما ضربه اللعين عبد الرحمن بن ملجم على رأسه بسيفه المسموم على رأسه واستشهد بسبب تلك الضربة من حاقد لئيم، والفوز الذي قصده الإمام‏ هو الفوز بالشهادة، وهي خير ما يختم بها المسلم الملتزم المجاهد حياته في هذه الدنيا الفانية الزائلة.
الى هنا والكلام لا غبار عليه، فالجهاد مشروع، وهو قد يوصل الإنسان الى الشهادة، وهذا شي‏ء طبيعي جداً ومنطقي جداً، لأن الجهاد هو عبارة عن قتال العدو ومواجهته، وهذا له ثمن بشري هو الشهداء، وثمن مادي وهو »الدمار«، وثمن اجتماعي وهو »ترك العيال والأيتام« وغير ذلك من الاثار التي يعرفها جميع الناس.
إلا أن النقطة الجديرة بالبحث هي »العمليات الإستشهادية« والتي تعني أن )يذهب إنسان طائعاً مختاراً ليجعل من نفسه قنبلة بشرية تنفجر في قلب العدو لقتل ما أمكن منه والتسبيب بأكبر قدر ممكن من الأذى له، في الوقت الذي ترتفع فيه روح هذا الإستشهادي الى بارئها وخالقها(، وبمعنى اخر )فإن الإستشهادي لا ينتظر قدوم الشهادة اليه، بل هو الذي يذهب إليها بنفسه(، فهل هذا العمل جائز في الإسلام، وهل يدخل تحت مفهوم »الشهادة« أو هو نوع من الإنتحار وقتل النفس بلا مبرر كما يحاول البعض إدعاء ذلك؟
وحتى لا ندخل في تفاصيل تبعدنا عن صلب الموضوع نقول إن العمليات الإستشهادية جائزة بما لا إشكال فيه، وحتى أنه يمكننا أن نجد لها الشواهد في زمن رسول الله‏ والأئمة المعصومين.
ففي معركة الخندق حيث بلغت القلوب الحناجر وظن المسلمون ظن السوء بالله عز وجل، ورسول الله يقول: )من لعمرو وأنا أضمن له على الله الجنة(، والذي كان ينزل كان سيُقْتَل لأن عمرواً كان معدوداً من الفرسان القادرين في القوة والشجاعة والصيت المهيب، ولا شك أنه لو نازله غير »علي« لكان كمن يُقْدِم على عملية استشهادية لأنه مقتول لا محالة، ولذا لم يتشجع أحد على مواجهته.
إن الفكرة أو المبدأ الذي طرحه النبي‏ )من لعمرو وأنا أضمن له على الله الجنة( هو الذي يعطي الشرعية للعمليات الإستشهادية، وهذا الكلام ثابت عند كل أبناء المذاهب الإسلامية، وهذا يعني أن أصل فكرة العمل الإستشهادي ليست بغريبة عن دين الإسلام وعن الحالة الجهادية فيه.
ومثال اخر هو »الثورة الحسينية« حيث أن الإمام الحسين كان يعلم أنه مقتول في كربلاء لا محالة )... كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء..( كما قال‏ في بعض كلماته، ومع هذا أكمل طريقه مع وصول أنباء مقتل مسلم بن عقيل رسوله الى الكوفة وسفيره إليها، ومع تيقنه من نكث أهل الكوفة لبيعتهم وانضمام أكثريتهم الى الجيش الأموي.
ولذا فما قام به الإمام الحسين‏ في كربلاء هو ثورة استشهادية بكل ما للكلمة من معنى أيضاً لأنه كان يعلم النتيجة مسبقاً.
إذاً فالنتيجة هي أن العمل الإستشهادي هو نوع من العمل الجهادي حيث تقتضي الظروف الجهادية أن يكون الإستشهاد هو نوع الجهاد المطلوب من أجل الوصول الى الأهداف المرتجاة على المستوى الإسلامي.
ولا شك أن للعمل الإستشهادي أسبابه المبررة، فمثلاً عندما يكون العدو ذا قدرة هائلة وقوة كبيرة جداً لا يقدر المسلمون على الوقوف في وجهها بما يملكون من أسلحة ومعدات ولا يقدرون من خلالها على رد عدوان المعتدي أو طرد المحتل الغازي إلا عبر هذا النوع من العمليات الجهادية الإستشهادية التي تزرع الرعب والخوف والذعر في قلوب العدو، فلا تجعله قادراً على التصرف بحرية واقتدار وتمكُّن.
ولا شك أن إلقاء الذعر في قلب العدو أثناء الحرب والمعركة أمر مطلوب جداً لأنه يلعب دوراً نفسياً كبيراً في تحطيم معنويات جنوده من جهة، وترفع من معنويات الجنود المسلمين من الجهة الأخرى، وقد ورد في القران الكثير ما يشير الى أهمية العوامل النفسية في الحرب العسكرية ودورها في تحطيم شخصية العدو، كما حدث في معركة بدر حيث قال الله عز وجل »بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا »أي الكفار« يمددكم ربكم بخمسة الاف من الملائكة مسوِّمين، وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم« وكذلك قوله تعالى »... إذ يريكهم الله في منامك قليلاً، ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكنّ‏َ الله سلَّم إنه عليم بذات الصدور، وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمراً كان مفعولاً«.
ومما لا شك فيه أن أقوى الأسلحة غير قادرة على هزيمة انسان مُقْدِمٍ على الموت بوجه مشرق باسم دفاعاً عن دينه وعقيدته في مواجهة عدو لا سبيل لمقاومته بالوسائل التقليدية المتعارفة في الحروب في زمننا الحاضر، فيكون العمل الإستشهادي هو وسيلة الردع وسبيل القوة الذي لا بد من سلوكه لبلوغ الهدف وهو »التحرير«.
مضافاً الى أن الاسلام أوجب الجهاد، لكنه لم يحدد أساليبه وطرقه التي ينبغي أن يحارب بواسطتها، والجسد كما يمكن أن يكون هو الذي يستعمل السلاح للقتال، فإن بالامكان أن نجعل نفس الجسد سلاحاً إذا كانت له الفعالية ذاتها إن لم يكن اكبر بكثير من سائر الأسلحة التي قد يمتلكها المجاهدون، وهذا ما حصل فعلاً في لبنان من خلال العمليات الإستشهادية للمقاومة الإسلامية، أو من خلال العمليات الإستشهادية لأبطال الانتفاضة المباركة في فلسطين المحتلة، حيث جعلت تلك العمليات من كل أرض الكيان الغاصب كياناً غير امن وغير مريح من الناحية الأمنية، لأن القنبلة البشرية غير معلومة التوقيت، وقد تنفجر في أية لحظة، وهذا السلاح هو وحده القادر على تحقيق توازن الرعب بين »القوة العسكرية المادية للعدو«، وبين القوة المعنوية الهائلة للعمل الإستشهادي«.
وأما القول بأن هذه العمليات هي نوع من الإنتحار فهذا الكلام مردود على قائله، لأن المنتحر هو الذي يُقْدِمُ على الموت من دون أن يكون لديه دافع إيماني وقضية عادلة، وإنما هو الذي يتخلص من حياته نتيجة فراغ دنيوي معين أو إحباط غير قادر على مواجهة نتائجه أو ما شابه ذلك.
وبكلام مختصر فالإنتحار هو قتل النفس بعيداً عن الإيمان بالله ورسالاته وأهدافه السامية للحياة البشرية في هذه الأرض.
من كل ما سبق نقول بأن بعض المروجين لتحريم العمليات الإستشهادية سواء أكانوا من العلماء أو من المفكرين المسلمين هم مشتبهون جداً في الحد الأدنى، وأن عليهم الرجوع الى القران الكريم والسُّنة النبوية الشريفة ليغيروا اراءهم في هذه المسألة الحساسة والمهمة جداً، لأن السُّنة تحتوي على ذكر الكثير من النماذج الإستشهادية في العديد من المعارك التي خاضها النبي‏ ضد المشركين واليهود.
وكذلك من قال بأن هذه العمليات هي ضد أهل الذمة الذين لهم حكم المسلمين، فهذا كلام زور وبهتان أيضاً، لأن اليهود الغاصبين لفلسطين والمشردين لشعبها ليسوا أهل ذمة، بل هم طغاة محتلون تجب محاربتهم بكل أنواع الأسلحة حتى العمليات الإستشهادية، بينما أهل الذمة الذين لهم حكم المسلمين من حرمة دمهم وذمتهم ومالهم وعِرضهم هم الذين يعيشون تحت رعاية المسلمين وحمايتهم وفي ظل دولة الإسلام والقران وحكم المسلمين.
من هنا نقول )إن على علماء الأمة الإسلامية ومن كل مذاهبها أن يُجْمِعوا اراءهم على جواز العمليات الإستشهادية التي هي أرقى نوع من أنواع الجهاد ضد العدو، وهي وسيلة من وسائل الجهاد ضد المحتل والغازي، وهذه الحالة ليست جديدة على الفقه الإسلامي، بل لها امتداد في تاريخنا وفقهنا منذ زمن النبي، الى الثورة الحسينية، ووصولاً الى عصرنا الحاضر(.
وفي هذا الإجماع تقوية لخط العمل الجهادي والإستشهادي منه بالخصوص، ويعطي المجاهدين الاستشهاديين الراحة النفسية والطمأنينة على أن عملهم هو محل إجماع فقهاء الأمة وأهل الحل والعقد فيها.
 

الصفحة الرئيسية

صفحة الانتصار

admin@albehari.net