إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله في ذكرى ميلاده
المبارك العظيم |
صلّى
الله عليك، يا حبيبَ الله..
يا
صفيَّ الله المصفّى. يا مَن اختاره الله ـ منذ الأزل ـ حبيباً
أثيراً، اشتَقَّ نورَه من نورِه، واسمَه مِن اسمِه.. فكان ـ
مِن بَعدُ ـ ضياءَ العالَم وسراجَ الله الدائم المنير.
صلّى
الله عليك، يا صاحب المقام المحمود..
صلّى
الله عليك، يا صاحب الوسيلة المُبتَغاة إلى الله..
صلّى
الله عليك، يا باب الله الذي منه يُؤتى، ويا وجه الله الذي
إليه يتوجّه الأولياء..
صلّى
الله عليك، أيّها الفاتح لكتاب العالَم، والباقي في آخِر كلمات
الوجود..
صلّى
الله عليك، يا أوّلَ الأنبياء خَلْقاً، ويا آخر الأنبياء
بَعثاً..
صلّى
الله عليك، أيّها الرسول الشاهد، البشير النذير، الداعي إلى
الله بإذنه، يا صاحب الكتاب المبين.
.. مَن ذا يَذْكرك ـ يا حبيب الله وصفيَّه ـ ثمّ لا يصلّي عليك
؟!
الذات الإلهيّة الأحَديّة القدسيّة ـ في غيب الغُيوب ـ تصلّي
عليك. تصلّي عليك صلاتَها التي لا تُحَدّ؛ لأنّها صلاة في حرم
الله الأقدس، حيث ما ثمّةَ صباح ومساء.
نُصلّي عليك.. الصلاةَ التي شرّفها الله بالصلاة عليك.
صلّى
الله عليك وعلى أهل بيتك النُّجَباء.. في الأوّلين.
وصلّى الله عليك وعلى آلك الشهداء.. في الآخرين.
صلاةً تزيد ولا تبيد.
صلاةً تليق بمقامك المحمديّ الرفيع.
* *
*
جئتَ
ـ يا سيّدي ـ إلى هذا العالَم.. بَشَراً من أبٍ وأُمّ، هما لله
من الساجدين.
تَقلَّب
نورك.. يا حبيبي ـ وهو من نور الله القدسيّ ـ في أصلاب
الأنبياء والأوصياء والأولياء، عَبْرَ حِقَبِ الزمان. وكان
الله جلّ جلاله يدّخرك للزمان الأخير الخاتِم لأزمنة الدنيا.
ويراك ـ بعين الرعاية والصَّوْن ـ وأنت تتحدّر من تلكم الأصلاب
الشامخة وهاتيك الأرحام المطهَّرة..
«وتَقَلُّبَكَ
في الساجِدين».
فقيراً جئتَ إلى الدنيا ـ يا سيّدي يا رسول الله ـ حين حانَ
الميقات القدسيّ لظهورك في هذه الأرض وَرِيثاً لأنوار أنبياء
الله الكرام السابقين صلوات الله عليهم أجمعين: وراثةَ الأصل
للفروع، وراثةً مشتقّة من وراثة الله للعالَم.
كانوا ـ أي رجال النبوّة الطاهرين ـ «قوماً مُستضعَفين. قد
اختَبَرهُم اللهُ بالمَخْمَصَة، وابتلاهم بالمَجْهَدَة». وكان
لك ـ يا سيّدي ـ من هذه المَخمصة وهذه المَجهدة أعلاها
وأغلاها: تجوع يوماً وتأكل يوماً، وما أُوذِيَ نبيٌّ كما
اُوذِيت. «ولكنّ الله سبحانه جعلَ رُسُلَه أُولي قوّةٍ في
عزائمهم، وضَعَفةً فيما تَرى الأعيُنُ من حالاتهم.. مع قناعةٍ
تملأ القلوبَ والعيونَ غِنَى، وخَصاصةٍ تملأ الأبصارَ
والأسماعَ أذى».
* *
*
أربعينَ عاماً قضَيتَ ـ يا سيّدي ـ من الزمان المكيّ.. فقيراَ
وحيداً غريباً. وناسُ الزمان المكيّ يومئذٍ ضُلاّل في حَيرة،
قد استَهوَتْهُم الأهواء، فغَدَوا مِلَلاً متفرّقة، وطرائقَ
مُشتَّتة، حتّى أذِنَ الله تعالى لك أن تَظهر للناس في مقام
الرسول الإلهيّ إلى العالَم.. وأنت ـ يا حبيبي ـ في كمال
الأربعين.
ابتَدأتْ ـ يا سيّدي ـ في حياتك الشريفة ساعتئذٍ رِحلةُ
الهداية والتبليغ. وهي رحلة المَشقّات والمُكابَدات الطويلة مع
أهل الأرض.
كان
الشيطان الطَّريد إلهيّاً قد نَسَج خيوطه الكثيرة المتشابكة
السوداء، وربَطَ بها مفاصل حياة الناس العقليّة والعاطفيّة
والعمليّة. وكان لـ «أُمّ القُرى» من هذا الرِّباط الأسود نصيب
وفير. لَكأنّها كانت ـ وقتئذٍ ـ مَباءةً لأحابيل الشيطان،
ومواسمَ لا تنقضي لمناخ الكفر والشرك والظُّلامات.
صرخ
الشيطان من أعماقه لدى أوّل صوت عُلْويّ تلقّيتَه ـ يا سيّدي
يا رسول الله ـ وهو يُؤْذِن بانطلاقك في العالَم طبيباً
دَوّاراً بطبّه، وسراجاً منيراً من الله في حَلكة ليل الإنسان.
أخوك الصدِّيق عليّ عليه السّلام هو الذي حكى ما جرى. لم نكن
حاضرين ولا شاهدين: «ولقد سمعتُ رَنّةَ الشيطان حين نزل عليه
الوحي صلّى الله عليه وآله، فقلتُ: يا رسولَ الله، ما هذه
الرَّنّة ؟ فقال: هذا الشيطان قد أيِس من عبادته».
إنّ
أشياء خطيرة بدأتْ تقع على أرض الإنسان المظلمة هذه.. وفي
السماء. حكى كتَبَةُ التاريخ أن أربع عشرة شُرْفة من شُرُفات
إيوان كسرى قد تَهدّمت متهاوية لحظةَ انبثاق النور المحمديّ
على الأرض، وخَمَدتْ نار المجوس. وقال أهل السماء: إنّ
الشُّهُب الراجمة ابتدأت مهمّتَها الجديدة: لقد بدأت تَرجم
الشياطين الذين يريدون التسلُّل إلى الملأ الأعلى استراقاً من
بين الملائكة لأخبار السماء. لقد حُبس الشياطين قاطبةً ـ عند
المبعث النبيل ـ في طبقة الجوّ الأرضيّ، وما عاد لهم إلى أسرار
السماء من سبيل.
إنّ
صفحة جديدة من تاريخ الكفاح التوحيديّ الجليل قد بدأتْ بك ـ يا
رسول الله. وإنّ غد البشريّة المتورّد السعيد يلوح في الأفق..
ولكنْ : دونه مَشقّات الأهوال. وهي المشقّات التي خَطَوتَ من
خلالها ـ يا حبيبي ـ خُطواتِ النبيّ المجاهد العظيم. أوَلستَ
أنت ـ يا رسول الله ـ الذي قلتَ، وأنت في تخوم الكفاح الشريف:
«أنا محمّد وأحمد، أنا رسول الرحمة، أنا رسول الملحمة، أنا
المُقَفِّي والحاشر.. بُعثتُ بالجهاد» ؟!
لقد
حملتَ ـ أيّها الإمام المبين ـ إلى الناس في العالم الكتابَ
الإلهيّ المبين: فرقاناً يَفْرُق بين الحقّ والباطل.
ورسالتك الهادية الشريفة ـ يا حبيبي يا رسول الله ـ هي مِن
سُنَن الله سبحانه وتعالى في خَلقه: لا يَفُكّهم حتّى يُؤتيهم
(البَيِّنة)، لتكون لله ـ دائماً ـ الحجّةُ البالغة.
و (بَيِّنةُ)
الله العظمى الكاشفة للإنسان المعنى الحقيقيَّ للوجود.. هي
أنتَ يا صفيَّ الله وحبيبه:
«
لَم
يَكُن الذين كفروا مِن أهلِ الكتابِ والمشركينَ مُنفكِّينَ
حتّى تأتيَهُم البَيِّنة: رسولٌ مِن الله يَتلو صُحُفاً
مُطهَّرة، فيها كتبٌ قيّمة
».
والطريق إلى المعاني الحقيقيّة في العالَم مُغلَق أمام البشر.
أمّا العقل ـ إذا كان مُعافى ـ فلا يُمدّ إلاّ بالمعاني
الضروريّة العامّة. وهو ـ بهذا الإمداد ـ رسول باطن إلى
الإنسان. ما ثَمّةَ مَن يتقدّم أمام البشريّة حاملاً مشعل الله
الحقّ ـ في الطريق المظلم الطويل ـ إلاّ رسُل الله وأوصياؤهم
الكرام. وأنت ـ يا رسولَ الله ـ من الأنبياءِ الطليعةُ الرشيدة
الرائدة.. كاشفاً هادياً تُري الإنسانَ الرؤيةَ الواقعيّة،
وتُبصِّره البصرَ النافذَ البعيد.
* *
*
الخطوة المصيريِّة الضروريّة: أن يخطو الإنسان ـ بنور النبيّ ـ
من أرض الظلمات إلى آفاق النوريّة المبصِّرة. في النور
المحمديّ يغدو الإنسان قادراً على الرؤية الطليقة المنزَّهة،
فيرى أمسه وحاضره وغده. يرى: مِن أين ؟ وفي أين ؟ وإلى أين ؟
يرى المبدأ والمَعاد وسيرته المتألّهة بين المبدأ والمعاد.
تعلَّمْنا من صحفك المطهَّرة المشرقة بالكتب القيّمة ـ يا رسول
الله ـ أنْ لابدّ للإنسان أن يعود إلى الحقّ الذي انبثق ـ في
أوّل الخليقة ـ من بين يدَيه.. كما تعود القطرة إلى المحيط،
وتلك لها السعادة المطلقة، وسَكينةُ القرار المأمون.
وتعلّمْنا من فرقانك ـ يا صفيَّ الله ـ أنّ أولئك العُتاةَ
الجهلة المعاندين إنّما يعاندون كلمتك الشريفة، ويحاربون صوتك
الحبيب. واندفاعاً من خنادق الجهل والإنكار يُنكرون ـ نظريّاً
أو عمليّاً أو هما معاً ـ سَفرَ العودة الأُخرويّة المحتومة..
فيُنكرون مِن ثَمَّ رسالة الرسول.
إنّ
الرُّجعى إلى الله ـ وهي الهدف الإنسانيّ الأعظم ـ لابدّ لها
من طريق تسلكه البشريّة للرجوع. والطريق بلا دليلٍ هادٍ كَلا
طريق. وما ثَمّ غير الأنبياء وأوصيائهم عليهم السّلام من دليل
خبير، ومن هادٍ عارف بأسرار الطريق.
إنّك
ـ يا سيّدي العظيم ـ لَتُخرِج الناس من ظلمات أنفسهم
وتصوّراتهم إلى نور المعرفة الإلهيّة الساطعة. تُخرجهم إلى صبح
ولاية الله بعدما عكفوا ـ جاهلين ـ على أوثان الولاية للجبت
والطاغوت. وللجِبت صور متكاثرة، وللطاغوت مظاهر متناثرة. منها
ما هو مُعلَن صريح، ومنها ما هو خفيّ مكتوم، ومنها ما هو أخفى
يَدُقّ على النظر ويستعصي على التشخيص.. إلاّ بنور الله الذي
يموج في صُحفك القلبيّة وفرقانك الفصل، يا نبّيي يا حبيب الله.
لقد دخل
الإنسانُ الوجودَ، ولن يَخرج منه. إنّه سالكٌ في السبيل إلى
الآخرة السلوكَ الوجوديّ المحتوم، و
«
ما مِن
دابّةٍ إلاّ هوَ آخِذٌ بناصيتها، إنّ ربّي على صراطٍ مستقيم
».
ولَسوف يلتقي الإنسان ـ حين تقوم قيامته ـ بالله جلّ جلاله،
وبأسمائه المقدّسة. سوف يلتقي المؤمنون الموحِّدون الصادقون
بالله تعالى في اسمه (الرحمن)، فيحظَون عندئذٍ بنَضْرة النعيم.
ويلتقي أهل الكفر والظلم والعناد بالله سبحانه في اسمه
(المنتقم)، فيُلقَون في عذابات الجحيم.
إنّها الرحمة
الإلهيّة الموّاجة في قلبك ـ يا رسول الله ـ هي التي تريد
لِتُنقذ. وتريد لتهدي البشريّة إلى صراط العزيز الحميد.. قبل
أن تفوت الناسَ الفرصةُ الوحيدة النفيسة في عمر الإنسان العاجل
القصير. وأنت ـ يا سيّدي ـ الرحمةُ الرحيمةُ والرأفة الفيّاضة.
إنّه الله تعالى ربُّك الحبيب مَن قال لنا عنك:
«
لقد جاءكم
رسولٌ مِن أنفُسِكُم، عزيزٌ عليه ما عَنِتُّم، حريصٌ عليكم،
بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم
»،
وقال لك وأنت في شوق الهداية والإنقاذ:
«
لَعلّكَ باخِعٌ نفسَك ألاّ يكونوا مؤمنين
»،
«
فلا
تَذهَبْ نفسُكَ عليهِم حَسَرات
».
* *
*
كلمتك ـ يا حبيبي ـ كلمةٌ باقية إلى يوم القيامة.
بعثَك الله عزّوجلّ سفيراً إلى قومك. وما قومُك إلاّ البشريّة
كافّة بشيراً ونذيراً.. حتّى آخرِ لحظات الزمان. لقد بُعثتَ
إلى الأبيض والأسوَد والأحمر، والعرب والعجم.
وقرآن الله
الذي حملتَه ونطقتَ به.. سَمِعه معاصروك، وسَمِعَتْه أجيال
الناس مِن بعدك، وستسمعه كلُّ آذان البشريّة حتّى آخرِ الخلق.
إنك أنت ـ يا سيّدي ـ رسول الله إليهم، التالي للخطاب الإلهيّ
فيهم ما بقي على الأرض إنسان. وقد قلتَ يوماً يا رسول الله: «
مَن بَلَغه القرآنُ فكأنّما شافَهتُه به». ثمّ تلوتَ قولَ
الحقّ في القرآن على لسانك:
«
وأُوحيَ إلَيَّ هذا القرآنُ لأُنذرَكُم به، ومَن بَلَغ
».
وقلتَ: «أنا رسولُ مَن أدركني حيّاً، ومَن يولَد بعدي». وإنّه
لَتشريف للإنسان أن يتلقّى كلمة الله منك أنت.. يا أكرم مَن
خَلَق الله، ويا أشرفَ مَن بَعَث الله.
إنّ
منهاجك المتوقّد بالنور.. هو منهج الحاكميّة الإلهيّة على كلّ
الأرض. وإنّ شريعتك المحمّديّة العظيمة هي سياسة العالَم. أوَ
ليس منهاجك هو من نور الله الواحد الأحد المهيمن على كلّ شيء،
المحيط بكلّ شيء ؟ أوَ ليست شريعتك البيضاء السمحاء هي من
مظاهر الرحمة القيّوميّة القائمة على كلّ شيء، القائم بها كلُّ
شيء ؟ وإذَن.. فما أعظَمَ الإنسانَ الذي ينهج منهجك، ويستمدّ
من مِشكاة قلبك! وما أكرمَ الأمّةَ التي تغدو أمّةً «محمّديّة»
وسَطيّة أصيلة، لا هي شرقيّة ولا هي غربيّة!
بَذَرتَ ـ يا سيّدي ـ البذرةَ الكريمة، وصنعتَ خميرة الأمّة
المحمّديّة التوحيديّة.. لتصبحَ في العالم الشجرةَ المباركة
الطيّبة المُؤتيةَ أُكُلَها كلَّ حينٍ بإذن ربّها. أمّتك ـ يا
سيّدي ـ هي مَن تجهر ـ معك ومِن بَعدِك ـ بأذان الولاية
والبراءة العظيم.
ذلك أنّ أذان
الولاية والبراءة هو مِن أُولى سِمات «دين القيّمة» الذي
نَطقَتْ به صحفُ الله القرآنيّة المطهَّرة :
«
قُل: هو الله أحَد
»،
«
إيّاكَ
نَعبُدُ وإيّاك نستعين
».
وجَهَر «دين
القيّمة» بصوت البراءة الأبديّة من الجِبت ـ بكلّ صوره ـ
والطاغوت:
«
قُل: يا أيّها
الكافرون. لا أعبُدُ ما تَعبُدون
»،
«
إنّا بُرَآءُ منكم وممّا اتَعبُدونَ مِن دُونِ اللهِ، كَفَرْنا
بكم وبَدا بَينَنا وبينَكُمُ العداوةُ والبَغضاءُ أبداً.. حتّى
تؤمنوا بالله وحدَه
».
إنّ الحقّ هو
مَن يَجمع، والباطل هو مَن يُفرّق. وجماعة أمّتك ـ كما في
نُطقك يا سيّد المرسلين ـ هم أهل الحقّ، وإنْ قَلُّوا.
«
وإنّ هذهِ أمّتُكُم
أمّةً واحدة
ـ [على الحقّ
الواحد] ـ
وأنا
ربّكم فاعبدونِ
»؛
لأنّه
تعالى هو
الحقّ.
* *
*
الزمان صعب ـ يا سيّدي ـ يا رسول الله.
لقد
عاد الشيطان الطريد ينسج، في حياة الناس ـ نسيجَه الأسود
القتّال من جديد. كان قد يئس أن يُعبد هو من دون الله، منذ فجر
رسالتك المُسعِدة، ولكنّه عاد يصدّ الناس عن سبيلك المنزَّه
الذي هو سبيل الله. وبدأ يلغو ويصخب ليحجب عن الآذان سماعَ
نَبرتك التوحيدية الحبيبة.
إنّه
الامتحانُ لجماهير الناس، والابتلاءُ الإلهيّ للبشريّة. ومن
سنّة الله تعالى الامتحان، ومن سنّة الله الابتلاء
«
فَلَيعلَمنَّ اللهُ الذين صَدَقوا، ولَيعلَمنّ الكاذبين
»،
«
ولِيَعلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ ورسُلَهُ بالغيب
».
وأولئك الذين يَصدّون عن سبيل الله لا وزن لهم في ميزان الحقّ،
لا يأبّه الله بهم ولا يبالي. بَبْد أنّنا ـ نحن المتمسّكين
باسمك التابعين صوتَك ـ في مواقع المحنة، وفي مواطن الاختبار.
نحن المأمورون
دائماً ـ مِن قِبل الله تعالى ـ بالاستقامة. وأنت تعرف ـ يا
أكرم نبيّ من أنبياء الله ـ أنّ الاستقامة صعبة التكاليف؛
لأنّها تعني الرسوخ في منهاج الله تعالى على كلّ حال. وتعني
الثباتَ في مواقع الولايةَ والبراءة والقبض على أشواك الجمر.
إنّ الاستقامة الثابتة على صراط الله أمر صعب مُستصعَب. أوَ لم
تَقُل ، أيّها الحبيب الشفيق ـ إنّ سورة (هود) قد شيّبَتْ منك
الشَّعرَ النبويَّ المقدَس ؟ وما شيّبك في (هود) غير قول الحقّ
العزيز:
«
فاسْتَقِمْ
كما أُمِرتَ ومَن تابَ معك
».
أمّا
أنت ـ ايّها النور العُلويّ المنزَّه الشريف ـ فإنّك أنت
الاستقامة المستقيمة، والصراط الصاعد إلى الله. ولكنّ معاناتَك
النبيلة إنّما كانت من أجل «استقامة» الذين تابوا معك.. فكيف
يستقيم أكثرهم على كلمة الله الصافية النقيّة، وثَمّةَ
تيّاراتُ الصراع وفتن الأهواء ؟!
* *
*
اعذُرْنا.. يا حبيبنا يا رسول الله.
اعذُرْ منّا الغفلةَ والضَّعف.
واصفَحْ عمّا نجترحه بدوافع الوهن، أو في مواقع الوهم.
ونستغفر الله جلّ وعلا من كلّ ما يصدر منّا، فيحزنك ويؤذيك؛
فأنت الناظر إلينا دائماً.. المعروضة عليك أعمالُنا كلّ يوم،
في حياتك الأرضيّة، وفي حياتك الملكوتيّة المقدّسة.
نستمدّ مِن عزمك العون. ونستضيء من قلبك القدسيّ أنوارَ
المعرفة المتألّهة والموقفَ الموحِّد القويّ.
إنّ
المحبّة لك منّا لَتفيض. وإنّ المودّة لِقُرْباك الطاهرين
لَتموج بها العقول والقلوب. أمّا ما بنا من تقصير.. فأملُنا أن
تصفح. وأملنا أن تمنحنا المزيد من الطاقة على المرابطة والصبر.
* *
*
أنظارُ أبصارنا وبصائرنا طامحةٌ ـ يا سيّدي ـ إليك.
نَشُدّ جِراحات القلب بعد الجراحات.. ونمضي وراءك في الطريق
اللذيذ.
فأنت
ـ يا مولاي ـ رسولنا المقدّس وأبونا الكبير.
نَطْوي مراحل سَفرة العمر على ذكرك وذكر أهل بيتك الأحباب.
ونصلّي ـ ونحن في هموم الاستقامة على الصراط ـ دائماً عليهم
وعليك.
صلوات الله عليك، وعلى أحبّائك وصفوتك من ذراريك.
. . .
ثَمّةَ آمال أخرى.. نستنزلها مِن فَيض أياديك:
أن
تَذكُرَنا ـ يا حبيبنا ـ في مقام الشفاعة الرحمانيّة في يوم
الدين.
لن
تَخيبَ منّا الآمالُ هناك فيك.. يا حبيب إله العالمين، ويا
سيّد الشافعين.
|